بقلم عائشة رافع
برنامج “كن نفسك” يستهدف مساعدة الإنسان على الوصول للسلام الداخلي، فيمكنه أن ينشر السلام في كل ما حوله. وعلى الرغم من أن الفكرة المبدئية للبرنامج تبلورت على أرض الواقع في بدايات القرن الحادي والعشرين، إلا أن جذوره أعمق مما يبدو على سطح الأحداث. لقد اكتشفت ولا أزال أكتشف بصورة متكررة أنه وثيق الصلة بما يبدو أنه مهمة خُلقت من أجلها على هذه الأرض، وأن روحي كانت تعرفها حتى من قبل أن أُولد. أما على مستوى الظاهر فقد مرّ برنامج “كن نفسك” بمراحل متتابعة حتى وصل إلى ما هو عليه الآن، ولازال يتطور وينمو، وأتطور وأنمو معه. في روايتي لقصة البرنامج أشارك القارئ بعض الموضوعات المترابطة والمتداخلة التي أثّرت علي في اختياري لمحتوى برنامج “كن نفسك”، وقد صنفتها وفقا لما تداعى لوعيي تلقائيا، وليس بالضرورة في ترتيب زمني.
-
بصمة الأبوين
وُلدت لأبوين كانت القيم الروحية لديهما أساس أفكارهما وسلوكهما، فوالدي هو الرائد الروحي السيد رافع محمد رافع (١٩٠٣- ١٩٧٠م) ووالدتي السيدة حزامِ رفاعة (١٩٢١- ٢.١٢م) حفيدة رائد التنوير في مصر الحديثة، رفاعة رافع الطهطاوي (١٨٠٥- ١٨٧٣م)، ويرجع نسب والديّ إلى سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام.
كان السلوك الشخصي لوالدينا، في مواقف الحياة المختلفة، هو المعلم الأول لأبنائهما أكثر من أي وعظ مباشر. فقد كان سلوكهما يتسم بالصدق والتواضع الجمّ ويقظة الضمير، والاحترام للأبناء. فكانت الطاقة التي تصدر عنهما، تجعلنا نتنفس عبق الصدق والصفاء والمحبة لكل الناس وهو يملأ أرجاء بيتنا.
تعلمت وأخوتي أن نؤثر على أنفسنا مع بعضنا البعض، وفي أي علاقة إنسانية، لأن ذلك ما رأيناه من الوالدين مع بعضهما، ومع أهلهم وأقاربهم، وتعلمنا أن قيمة الإنسان تكمن في ذاته لا في ماله أو حسبه أو نسبه، لأننا لم نسمع منهما ولم نرَ من أي منهما تفاخرا أو شعورا بالأفضلية أو التكبر على أحد تحت أي مسمى.
وتعلمنا أن نتقن ما نفعل لأننا رأيناهما مثالا للإخلاص في أي عمل، أدركنا تلقائيا أن الأشياء لا تملكنا، ولا تستعبدنا، لأننا كنا نجد الرضا والسعادة في أبسط الأشياء التي تتاح لنا، ولا نشعر بأنه ينقصنا أي شيء. كأننا—ودون أن نفكر في ذلك على مستوى واعٍ—كنا ندرك أن السعادة تأتي من الداخل، من أجمل بقعة فينا، أي من الروح، وما داخلها من محبة تتدفق طبيعيا في كل لفتة وحركة وكلمة.
تعلمنا تلقائيا أن ديننا الإسلامي، وكل دين يدعو الإنسان أن يتوجه لداخله، إلى النور الكامن في قلبه، وسيجده يوجهه لكل ما هو خير لنفسه ولغيره، وأنه بهذا النور يمكنه أن يتواصل بروح أي تعاليم مقدسة فلا تقتصر على شكل بلا روح. تعلمنا أن نفتح أنفسنا لكل كلمة حق من أي مصدر ونتعلم منه، فلم يكن غريبا علينا أن يحدثنا والدنا عن تعاليم في الديانات السماوية جميعا، أو الحكمة الفطرية، ما هو قديم منها، أو حديث، كما يشاركنا تأملاته في الإسلام. فكأنما كان والدنا يعلمنا أن المصدر الأعلى للحق، مصدر واحد، كما أن الإنسان هو الإنسان، أيا ما كان لونه أو جنسه، أو اسم ديانته . هذا الانفتاح القلبي والعقلي الذي نشأنا فيه اقتلع من داخلنا أي ميل للتعصب أو التشدد الديني، ولم يكن بحال ما مانعنا من انتماء عميق لرسالة الإسلام كما بُعث بها سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، فقلوبنا وعقولنا تقرأ فيها روح الاحتواء لكل كلمة حق في الماضي، أو حتى المستقبل . ببساطة شديدة تمتعنا منذ طفولتنا بسلام داخلي في علاقتنا بالأسرة الإنسانية جميعها، وبكل أطيافها.
تحقيق السلام مع النفس ومع البشر والمخلوقات يقع في جوهر برنامج “كن نفسك”، فهو يركز على الجوهر الروحي للإنسان، وتفاعله مع مشاعره، وأفكاره، ومعتقداته، وتأثير ذلك على نوعية حياته وعلاقاته الإنسانية، بهدف مساعدة كل إنسان أن يصل للسلام مع نفسه ومع العالم.
-
تحدي شخصي جوهري
وسط الجو الأسري المفعم بالمحبة المتبادلة، والاحترام، والاطمئنان على مستوى عميق، كان يصاحبني دائما، على المستوى الشخصي، إحساس خفيّ بألم وحيرة لا أعرف مصدرهما، وكأني أبحث عن شيء أفتقده، لا أدرك ما هو، وربما شعور غامض بالضياع لا أعرف جذوره. كأن الحياة تسير بي في مسارها، دون أن يكون عندي أي وضوح لما يمكن أن أفعله أو أريده، أو أتطلع إليه. واستمر هذا لسنوات طويلة، وربما كان هذا الحال نفسه هو الذي كان يمهدني لاكتشاف أشياء عن الحياة، وطبيعتنا كبشر، لم أكن أعلمها وأنا طفلة، بل وشابة، بل وزوجة وأم.
يبدو أن مشاعر الافتقار لشيء لا أدري كنهه، كانت المحفز الداخلي الأعمق من وراء تصميم برنامج كن نفسك، بعد رحلة من اكتشاف الكثير عن نفسي مما لم أكن أعرفه. فقد اكتشفت أنني في تفاعلي الشخصي مع القيم المثالية، كان ينقصني الكثير من النضج والفهم والتعمق. بمعنى أن القيم الأخلاقية التي نشأت عليها كانت متناغمة مع روحي وعقلي وقلبي، لكن شخصيتي الأرضية كانت تحتاج الكثير من التدريب لتعبر عن روحانيتي من خلال إمكانات بشريتي. فمن مظاهر عدم النضج مثلا، هو أنني كنت أطلب من نفسي ومن غيري الكمال المطلق، ولا أضع في اعتباري تقبل حدودي البشرية، ولا ضعفي الطبيعي كبشر، ولا أخطائي الناتجة عن عدم خبرتي في الحياة. بل لم أكن أتفهم أيضا حدود البشر وضعفهم، فأسارع بالحكم عليهم والنفور منهم عند صدور أي سلوك أراه غير متوافق مع القيم المثالية التي ظننتها بديهية عند كل البشر. فتطلعي للمثالية دون تفهم للحدود البشرية خلق صراعا بيني وبين نفسي، وأيضا مع من حولي. أدركت لاحقا أن تطبيقي للقيم الأخلاقية بنوع من التشدد، الذي لم أكن واعية به، كان يحول بيني وبين قدرتي على التسامح والغفران مع نفسي ومع الغير.
لم أكن أتنبه إلى أن قدرة الإنسان على احتواء نفسه وغيره كبشر، هو أساس من أسس القيم الأخلاقية، والحياة الروحية.
لذلك جعلت من تفهم الضعف الإنساني واحتواء النفس والغير جزءا أساسيا في برنامج “كن نفسك”.كان ما نشأت عليه من قيم روحية، ولا زالت، هي سندي ومرجعيتي وقت أي حيرة، ولكني تعلمت أني أحتاج المزيد من النمو النفسي والروحي لأعيشها فعلا بما فيه خيري وخير الآخرين. وكثيرا ما أتلمس ذلك المعنى في تفاعلي مع جوهر كل الرسالات السماوية، وأخلاقيات معلمي البشرية، القديم منهم والمعاصرين. ورأيت كيف كانت هذه القيم منبع الرحمة والغفران والحب الغامر عند أبي تجاه البشر جميعا، ومن التقى بهم في الحياة، كما يتجلى في سيرته ومسيرته الخاصة .
ومن هنا بدأت أحاول أن أفهم أكثر عن أبعاد بشريتي، وأدرك أن الوجود البشري يحتاج إلى الاكتشاف في طريقة تفاعله مع أحداث الحياة ليكون أداة طيّعة للروح في تعبيرها عما فيها من جمال ومحبة ورحمة. وبدأت أتدرب، في نفس الوقت، على أن أتيح لجذوري الروحية أن تساعدني في المزيد من اكتشاف نفسي ككائن بشري له خصوصيته وتفرده.
تعلمت أن المثالية والرقي الإنساني لا يعني أن نصبح منزهين عن أي خطأ، وإنما أن نظل متطلعين لما هو أرقى وأجمل، بالتعلم مما نسميه “أخطاء” أو “ذلات”، من خلال مراقبة الذات بصدق، وبتصفية النية، وبالعمل الجاد، وطلب الإرشاد والتوفيق من الله سبحانه وتعالى.
لذلك نعمل على أن يساعد برنامج “كن نفسك” كل إنسان على احتواء بشريته بحدودها، وضعفها، وأن توضح له التدريبات أن ما نسميه أخطاء ما هي إلا وسائل مشروعة للتعلم وللنضج النفسي والروحي. فالعمل على تكامل كل مستويات وجودنا جسدا وعقلا ونفسا وروحا يأتي في صميم محتوى برنامج “كن نفسك”.
لقد انصبت مسيرة حياتي كلها، بعد ذلك، على اكتشاف ديناميكية العلاقة بين جوهرنا الروحي، أو حقيقتنا المقدسة، وبين وجودنا الإنساني، وكيف يتناغم ويتعاون هذان البعدان في حياة كل إنسان لتكون حياته أكثر استواء ونماء، وعطاء، وسلاما، وسعادة؛ كل حسبما هي طبيعته، وخصوصية رحلته على الأرض.
ليس هناك أنماط تفرض على أي إنسان، وإنما هناك رحلات ورحلات تتنوع وتتعدد بعدد أنفاس البشر، يجمعها أننا “إنسان”، وهذا هو جوهر برنامج “كن نفسك”.
-
التعرض لاحتكاك أوسع مع البشر
في بداية التسعينات من القرن الماضي دعتني شقيقتي السيدة علياء لحضور الدائرة الروحية التي تكونت بشكل لم تكن تخطط له أبدا، وإنما جاء باتصال من سيدة طلبت منها أن تتحدث معها عن تراث أبي وطريقه الروحي . كانت مجموعة صغيرة جدا في البداية ثم أخذت تتسع لتشمل عددا كبيرا من السيدات يجتمعن تحت مظلة الجمعية المصرية للبحوث الروحية والثقافية . وسعدت جدا بهذه الدعوة، وكنت حريصة جدا على الانتظام فيها، والاستماع لحديث شقيقتي، والذي لم يكن غريبا عليّ بطبيعة الحال، ولكن كنت أستفيد ولا شك من علمها وتأملاتها، ومن تقديمها المعاني الروحية للناس، من منطلق دعمهم للتعرف والتواصل مع هويتهم الروحية، وكيف أن النفس الصغرى لكل إنسان هي تعبير عن النفس الإنسانية الواحدة. كنت بطبيعتي-في هذه الفترة—خجولة وقليلة الكلام جدا، ولا أشعر إطلاقا بأن لدي أي نوع من المعرفة ممكن أن أقوله لأي أحد. واقترحت السيدة علياء أنه في حالة عدم تواجدها، لأي سبب طارئ، ألا تتوقف الاجتماعات وإنما أن أصحب مجموعة السيدات في جلسة نقرأ معا حديثا لأبي أو أي حديث يمكن أن نستفيد منه. فكنت أقرأ الحديث مع المجموعة، ولا أنتظر أبدا أن أكون مسئولة عن شرح أي شيء. لكني كنت أُفاجأ بالسيدات يسألنني عن بعض القضايا أو المعاني ولديهن حسن الظن بي أنني يمكنني أن أجيب، فكنت أستمع جيدا للسؤال، فأجد أفكارا تلقائية تتردد في عقلي فيها إجابات لتساؤلاتهم، إجابات ترضيهم وتفتح لهم ولي مجالات لرؤى جديدة لأمر ما، إجابات لم تكن عندي لكني تلقيتها ربما من لاوعي كامن لم أكن أراه على مستوى العقل الظاهر. هذه التجربة أتاحت لي التعرف على مصادر الألم والحيرة عند البشر في علاقتهم بأنفسهم، وببعض، وبخالقهم وتعاليم دينهم.
بدأت في هذا الوقت أعرف أن حيرة الناس في علاقتهم بأنفسهم وبربهم تنبع من أنهم ضحايا مفاهيم كثيرة متوارثة من قديم تمنع عنهم التواصل مع جوهرهم الروحي، وتتركهم في صراعات متعددة، لدرجة أن حربا تقع بين دولتين تنتميان إلى الإسلام (العراق والكويت)، ويدّعي كل طرف منهما أن الحق معه، مستشهدا بآيات القرآن. أدركت وقتها أن البشر يعانون أزمة روحية، وسجلت أفكاري في كتاب صغير أسميته “بل أزمة الروح”(١٩٩٢) . جاء في هذا الكتاب:
“أي إنســان هــو روح ومــادة.. عقــل ونفس وقلب وجـوارح. هـذا هـو كـل إنسـان مهمـا بلغـت درجـةضـعفه أو قوتـه.. جهلـه أو علمــه.. قدراتــه أو نواقصــه. إنــه عــالم مغلــق طــرق أبوابــه العلمــاء، وعرفــوا بعضــا مـــن أســـراره، ولا زالـــوا يجهلـــون الكثـــير والكثـــير. فـــإذا مـــا كـــان كـــل جهـــاز في الجســـم يعمــلُ بكفــاءة شــديدة ليكــون الإنســان في صــحة جيــدة فهنــاك هــذا الجانــب غــير المرئــي الــذي، مهمــا عرفنــا أو جهلنــا عنــه فإنــه هنــاك يعمــل.. يعــيش.. يتفاعــل.. يتحــرك.. يتــدبر.. بــل ويســيطر في أحيــان كثــيرة علــى أداء الجســد فــإن كــان نشــطا مزدهــرا يعطــى للجوارح القوة والقدرة والإمكانات.”
“لـــيس مطلوبــا أن يكــون أي إنســـان إنســاناً آخـــر بــل مطلـــوب فقط أن يكون نفسه، ولكن أن يرى نفسـه فعـلا .. يـرى إمكاناتـه.. يـرى قدراتـه.. امتيازاته.. نواقصه محاسنه. فإذا ما عرف ذلـك فإنـه سـيختار هدفـه بحريـة شـديدة.. وهنـــا يـــأتي الحـــب.. فمـــن أحـــب شـــيئا كانـــه.”
في تلك الفترة وُلد في أعماقي حُلم كبير
كان حُلمي هو أن يُتاح للأطفال الفرصة منذ صغرهم للتعرف على أنفسهم الحقيقية، فلا يدخلون في تلك المتاهات التي يغيب فيها عن الإنسان أنه روح في الأساس، وليس مجرد جسم فانِ، وأن الدين تجربة معاشة لا تُلَقّن من شخص لآخر، بل تساعد الإنسان أن تكون له رؤية لحياته وأهدافه.
وبينما كنت أعبر عن ضرورة أن يعرف الإنسان حقيقة نفسه من خلال تأملاتي في تعاليم الإسلام كما تتجلى في الطريق الروحي، قدمت كتابي الثاني “كلنا هذا الإنسان”(١٩٩٣)، والذي كتبت فيه:
“مهما كانت ظروف أي إنسان.. ومهما حالت الدنيا بينه وبين أحلامه.. مهما اغتال الآخرون آماله.. ومهما فرض عليه من حوله أهدافا بديلة.. حتى نسي ما أسرت به إليه أعماقه يوما.. فإنه لحظة أن ينفرد بداخله ويستمع إليه سيجده يقول له الكثير والكثير.. ويشكو إليه ما أرقه الشوق إليه.. وهو كثير.. كثير بعدد البشر.. كثير بقدر اختلاف الخلجات.. ونبضات القلوب.. وتباين النفوس.. ودرجات العلم.. والعقول.. ولكن ما يجمعها كلها هي أنها أحلام الإنسان.”
كانت مثل هذه الكتب محاولة مني لأن أفهم أكثر عن طبيعة البشر، وما يصل بهم إلى سلوك غير سوي ينسبونه للدين، بينما قناعتي الشخصية وما أتعلمه من الطريق الروحي الذي نشأت فيه يساعد الناس كثيرا على عدم الوقوع في شَرَك التعصب والصراع والعنف. وشعرت بأني أريد أن أستوعب أكثر أساسيات الطريق الروحي فجاء الكتاب الثالث “البدء في الإسلام كلمة” (١٩٩٦) والذي قدمت فيه قراءتي لما استوعبته من أحاديث معلمي الروحي وأخي السيد علي رافع .
-
باكورة برنامج كن نفسك
في بدايات الألفية الثانية (٢٠٠٠م) كنت أجتمع مع عدد صغير من أسرتنا الروحية، رغبة منهم في إنشاء مجلة يعبرون فيها عن تجاربهم في الطريق الروحي، وأسميناها “خطوات على الطريق.” وكنا نتناقش في أمور كثيرة تخص رحلتنا الروحية، ويتطرق الحديث إلى كيفية تنشأة أطفال لا يعانون مما نراه آثارا سيئة لمفاهيم دينية تؤدي للتطرف وازدواجية المعايير. وكانت هذه الجلسات ملهمة لنا في كتابة بعض القصص للأطفال، بهدف مخاطبة طبيعتهم الفطرية النقية حتى لا يقعوا فريسة للمفاهيم المشوهة أو الجامدة، بل يتواصلون مع جوهر التعاليم المقدسة. فمثلا كتبت السيدة ماجدة المفتي قصصا عن “شادي الإنسان ورامي الروبوت” توضح فيها كيف أن الإنسان إذا ما تخلّى عن إعمال عقله وقلبه يتحول إلى ما يشبه الروبوت. كما تعرضت لتجربة كانت لها أثر كبير في الانتباه لضرورة عمل برنامج للتنمية الذاتية للكبار، وليس للأطفال فحسب، فقد أعطتني الصديقة العزيزة ماجدة المفتي كتاب “قوة الآن” The Power of Now لإيكهارت تول، أثرت فيّ جدا التجربة التي مرّ بها الكاتب في اكتشاف نفسه أنه روح وليس جسدا، وما تلا ذلك من تغيير جذري في حياته. لم يدهشني اكتشافه، إنما ما أدهشني هو أن أجد إنسانا يتحدث نفس اللغة التي نشأت عليها؛ لغة الروح، ولغة الوصلة بالمقدس داخلنا، وكيف يؤثر ذلك في حياة الإنسان الواقعية. ففي ذلك الوقت لم يكن مثل هذه الموضوعات، في مصر على الأقل، شائعة مثل الآن، ومنذ بدء الألفية الثانية.
كانت تلك بداية جديدة في البرنامج حيث أن تفكيري اتسع من التركيز على الأطفال فقط، ليشمل أيضا البشر جميعا، وأنا منهم، الذين يعانون ويعانون، ولا يعرفون كيف يتعاملون مع أنفسهم وحياتهم. لم يبهرني كتاب “قوة الآن” لأنه يتحدث عن العمق الروحي، فهذا تربيت عليه منذ الصغر، وكان موضوعا أساسيا فيما يقدمه معلمي السيد علي رافع وما تقدمه السيدة علياء في اجتماعاتنا مع دائرة السيدات بالجمعية المصرية للبحوث الروحية والثقافية ، وإنما لفت نظري لما عرضه الكاتب بسلاسة وبساطة عن احتياجنا لمشاهدة الأفكار وتأثيرها على حياتنا اليومية، وعلى مشاعرنا، وعلى أجسامنا، وأيضا على رحلتنا الروحية. ما جذبني في هذا الكتاب هو “التجربة الإنسانية” التي مر بها الكاتب، وهو لم يكن عنده أي خلفية روحية من قبل، وكيف جعل من هذه التجربة مجالا يخاطب به كافة البشر، أيا ما كانت خلفياتهم، أي يبدأ مما يمرون به من ألم وحيرة وبلبلة وضياع ليأخذهم رويدا رويدا لأعماقهم. وقد بدأ هذا الوعي عنده حين مر بتجربة روحية خبر نفسه فيها كروح، كما رأى ضعف وهوان كيانه البشري، واحتواه وتصالح معه.
ومن هنا بدأت ألتهم التهاما عشرات الكتب التي تتناول عمل العقل، والأفكار، والمشاعر، وتربط بينها وبين استوائنا النفسي والروحي. فقد أخذتني هذه الكتب إلى التعرف على تفاصيل جهازي البشري، وتأثيره على البُعد النفسي والروحي. تعلمت أكثر عن هذه المنظومة الخاصة بالجسم، والعقل، والنفس، والروح. وهذا عنصر أساسي في برنامج “كن نفسك”
وصرت أبحث في مجال علم النفس الروحي أو علم نفس ما وراء الذات، وعلوم العقل Mental Science، أو ما يُسمّى مدرسة ال New Thought وعلم النفس المعرفي، وعلم النفس الإيجابي، وكل ما له علاقة بأثر عمل العقل والأفكار على الجهاز العاطفي والنفسي، والروحي. وبدأت أيضا أدرس العلاقة الحميمة بين الذكاء الروحي، والذكاء العاطفي، وذكاء الجسم، فدرست أيضا هذا المجال، فضلا عن علوم المخ والأعصاب، وتأثير عمل المخ على الجانبين النفسي والروحي في الإنسان. وبدأت تتكون عندي صورة أشمل للعناصر المتداخلة فينا على كل هذه المستويات. ليس الهدف هنا هو حصر عشرات الكتب والمراجع التي درستها في هذا المجال.
ولكن التطور الكبير الذي حدث في هذه المسيرة هو أنني وضعت هدفا جديدا وهو مساعدة كل الناس ونفسي لتحويل آلام الحياة إلى أدوات للنمو، بالمعرفة والتدريب. وفي هذه المرحلة بدأت تصميم برنامج “كن نفسك تكن سعيدا” الموجه للكبار.
ومع ذلك لم يكن متبلورا لي ما سأفعله تماما لتحقيق ذلك الهدف. وفي عام ٢٠٠٢ كانت شقيقتي السيدة علياء، وبعد عودتها من رحلة عمل أستاذ زائر بكلية البنات بجامعة راندولف آند ماكون بولاية فيرجينيا الأمريكية، لديها رغبة قوية لبناء مدرسة تقوم التربية فيها على الأسس الروحية، ويقوم التعليم على نظرة متكاملة بين العلوم المختلفة، ولكن لم يتيسر ذلك . وتزامن أن اقترحت عليّ إحدى بناتنا في الأسرة الروحية وهي داليا الشوربجي—بعد أن درست برنامجا أخلاقيا للأطفال أساسه الفلسفة الهندية—أن نقوم بتصميم برنامج للأطفال، من داخل طريقنا الروحي، ينمي فيهم من الصغر وعيهم بجوهرهم الروحي. راقت لي الفكرة جدا، وشاركت فيها شقيقتي السيدة علياء، فرحبت أيضا جدا، وقالت ربما تكون هذه الفكرة تعبيرا عن جزء من حلمها ببناء مدرسة وكنا نتناقش ثلاثتنا فيما سنقدمه للأطفال. فكرنا، داليا وأنا، وبمشاركة السيدة علياء، في أن يشمل هذا البرنامج قصصا تجذب الأطفال إلى وجودهم الروحي، والذي غالبا ما يكون موجودا بالفعل، ولكن ليستمر معهم هذا الوعي، فرمزنا لهذا الوعي بكلمة “نوري” الموجود داخلنا جميعا، وأن نجعلهم يكتشفون بأنفسهم ماذا يقول “نوري” الموجود بداخلهم، ومتى لا يسمعونه. حول هذا المعنى كتبت بعض الأغاني ومنها:
اسأل قلبك .. شوف إيه بيقول
شغّل عقلك .. يتملي بالنور
حتسمع صوت بيقول الحق
وإن جيت تكذب حيقولك لأ
صوت الحق ده في .. وفيك
نعمة ربنا لي وليكأكبر .. أكبر .. أكبر حب
كل شيء في السما والأرض
بيقول حبك لينا يا رب
أكبر .. أكبر .. أكبر حب
****
إدتنا العقل بيه نفكر..
والقلب .. بالحب نكبر..
بنعدّ نعمك .. ما نقدر.
(كل شيء في السما والأرض)
****
كل شيء في السما والأرض
بيقول حبك لينا يا رب
أكبر .. أكبر .. أكبر حب.
****
لمـّا بنغلط تسامحنا..
وتعلمنا وتِفرحنا..
وعمر حبك ما يسيبنا..
دا نور جوانا وحوالينا.
(كل شيء في السما والأرض)
(كل شيء في السما والأرض)بعد تفكير في الأمر من زوايا متعددة، فضّلنا ألا يكون للبرنامج مظهر ديني محدد، وإنما تكون معانيه عاكسة للبُعد الأخلاقي في كل الديانات، وفي الفطرة السليمة تحت أي مسمّى.
فكتبت أنا قصة عن طفلة اسمها “بنورة” لما استمعت للنور في قلبها وعقلها، قدرت تعرف إن أي خطأ نعمله ممكن نتعلم منه، ولا يعني إننا “أشرار”. توالت القصص، وتوالى بحثي عن أنواع التأمل المناسبة للأطفال، ليتدربوا على الوصول للسكون الداخلي، وكذلك التأمل بالحركة، فضلا عن الفنون والألعاب والغناء، التي تساعدهم على التعبير عن أنفسهم بحرية. وكانت معنا أيضا السيدة علياء في الصورة، وقمنا بتطبيق البرنامج على عدد من الأطفال من دور رعاية، وأطفال من أسرتنا ومن معارف داليا كانوا يتجمعون عندها. توالت التجارب التي قمنا بها، وكنا نجد تجاوبا كبيرا جدا من الأطفال.
-
من هو المدرب(ة) المؤهل(ة) لتطبيق برنامج الأطفال؟
بعد أن وضعنا أساسيات برنامج الأطفال شعرنا بأن توسيع مجال هذا البرنامج يتطلب تدريب مدربين قادرين على فهم أعماق هذا البرنامج، وذلك يتطلب مهارات روحية ونفسية وسلوكية معينة لا تتوافر بسهولة. إن المدرب المرتقب لابد أن يتلقى التدريب على التواصل هو نفسه مع طفله الداخلي.
أطلقت على البرنامج المخصص لتدريب مدرب الأطفال اسم “إيقاظ الطفل الداخلي” ولم أكن قد قرأت أي شيء عن هذا المصطلح في أي مكان، لكن كنا نقصد به “الفطرة النقية” التي خُلقنا بها، وإننا بحاجة للتواصل معها كي يمكننا أن نتواصل مع الأطفال.
وضعت مع السيدة علياء الخطوط العريضة لهذا البرنامج، وعرضنا الأمر على من يريد من أسرتنا الروحية أن يعمل في هذا المجال، فتقدم عدد لا بأس به، قسّمناه مجموعتين، مجموعة معي ومجموعة مع السيدة علياء، وبدأنا برنامج تدريب مدرب الأطفال. ومن هذا التدريب تخرج عدد من المدربين لا يمكنني حصر أسمائهم جميعا لكن أتذكر منهم السيدة لمياء عبد الشافي، والسيدة مروى صالح، والسيدة نيفين صدقي، والسيدة مها جوهر، والسيدة هبة رافع، والأستاذ حسام صالح، والأستاذة عبير زين، والأستاذة إيمان فهيم، والأستاذة إيمان حبيب، والسيدة إجلال السلاموني وغيرهم.في تلك الفترة انشغلت شقيقتي السيدة علياء في أمور كثيرة ذات أهمية كبيرة أخذت معظم وقتها وجهدها، كما انشغلت داليا أيضا بدراستها العليا في مجال “صعوبات التعلم عند الأطفال” ولكن استمرت المدربات وأنا معهن في مجال تدريب الأطفال في أماكن مختلفة منها مكتبة المعادي، ومدرسة المنارات، وبعض دور الأيتام، وبعض المدارس والحضانات، كلها تتم بصورة تطوعية ويلمس البرنامج أثرا جميلا على الأطفال. وأذكر هنا أن شقيقتي السيدة مأمن كانت تقدم برنامجا للتنمية الأخلاقية أيضا أسمته “الأخلاق من خلال الفن”، وكنا نتشارك معا في العمل مع بعض الجهات.
-
عمل دون توقف وتطورات كثيرة دون خطة محددة
استمريت في هذا المجال (تدريب مدرب الأطفال) وحدي بشكل غير رسمي لمدة تقترب من خمسة أعوام، كان التركيز فيها على تطوير برنامج الأطفال، بإبراز قيم أخلاقية معينة لتكون موضوعا للقصص التي نكتبها، وكذلك تطوير برنامج “إيقاظ الطفل الداخلي” الذي يعد المدربين للتعامل مع الأطفال. كتبت عددا من القصص مثل “أمينة.. ممكن أكون صديقتك” و”الملك الحكيم” ويوسف والبالونة السحرية” و”أنا كما أنا جميلة ومبدعة” وأنا أحزن.. أنا إنسان”، وغيرها، كما كتبت معي السيدة هدى عز العرب، إحدى أعضاء أسرتنا الروحية، قصة “مملكة الجمال” المأخوذة عن القصة الصوفية “منطق الطير” لفريد الدين العطار. وكتبت داليا الشوربجي قصة “قصة حياة حبة أرز”، وقصة “حديث الحواس”. كما ساعدنا أعضاء آخرون من أسرتنا الروحية، ومنهم السيدة علا بدوي، ونيفين صدقي، ومحمد حلاوة في ترجمة بعض القصص التي كنت أنتقيها من القصص العلاجية Therapeutic Stories العالمية المكتوبة بالإنجليزية، وقصص من التراث الروحي العالمي من كل مكان، كما درست برنامجا عبر الإنترنت عن استعمال القصة اسمه Yoga Story Telling. الحقيقة لا يمكنني حصر كمّ الكتب التي قرأتها في هذا المجال لأستفيد منها في مخاطبة الأطفال، وجميعها يركز على البناء النفسي للطفل، وكيف يمكننا أن نساعده على اكتشاف مشاعره، والتعبير عنها بطرق مختلفة، ومساعدته على التحرر من المشاعر التي تؤذيه مثل الذنب، والخوف، وانعدام الصدق في النفس، وغياب تقدير الذات، والخزي وغيرها.
وبينما كنت أضع التصميم الأولي لموضوعات برنامج “كن نفسك” الخاص بالتنمية الذاتية للكبار، اقترحت السيدة علياء أن نمضي موسما ثقافيا في اجتماعاتنا الأسبوعية بمقر الجمعية المصرية للبحوث الروحية والثقافية أقدم فيها هذا البرنامج لأسرتنا الروحية. كذلك كنت أقدم برنامج “إيقاظ الطفل الداخلي” لمجموعات صغيرة من بعض ممن سمعوا عن البرنامج واهتموا برسالته، وأحبوا أن يقدموه بشكل تطوعي لمؤسسات خيرية.
في مرحلة لاحقة أتيحت لي فرصة كتابة مقال أسبوعي مجلة أكتوبر المصرية الأسبوعية، واخترت له عنوان “كن نفسك تكن سعيدا”، وكنت أنشر فيه قصصا حقيقية منشورة في كتب علم النفس الروحي التي كنت أقرأها، وأربط بين كل قضية يتعرض لها صاحب(ة) القصة وبين الظروف التي نتعرض لها جميعا، بحيث يمكن للقراء أن يقرأوا أنفسهم في كل ما كنت أقدم لهم من قصص، ومن تحليلات علماء النفس الروحي، وما أقرأه أنا أيضا من واقع تفاعلي مع نفسي ومع الناس. وكنت أختار أيضا قصصا من الأدب الصوفي الرمزي وأربطه بتجاربنا الإنسانية، وما يمكن أن يلهمنا به هذا الأدب الرفيع. كما كنت أكتب أيضا قصصا من تأليفي بالهام من حياة وتجارب أناس أقابلهم في الحياة.
كان كل هدفي في هذه المقالات هو أن تكون أنوارا كاشفة للقراء عن مستويات من أنفسهم، عليهم فهمها وتقبلها والتواصل معها، وكذلك اكتشاف ما في قلوبهم من ثراء روحي رباني، يمكنه أن يساعدهم في رؤية للحياة أعمق وأجمل وأسعد. وشكّلت هذه المقالات فيما بعد المادة الأساسية لكتاب يحمل نفس العنوان “كن نفسك تكن سعيدا” والذي نشرته المؤسسة ليكون مرجعا أساسيا للبرنامج.
-
وضوح يلحقه وضوح جديد
عام ٢٠١١ قررت السيدة علياء أن تنشئ مؤسسة البناء الإنساني والتنمية ، وتجعل من برنامج كن نفسك مشروعا من مشروعاتها، إيمانا منها بأنه يخدم المجتمع، والإنسان، وأنه جزء من رسالة السلام والمحبة التي نشأنا عليها، ولا زلنا نعمل من أجلها. وبدأنا بالبرامج الثلاثة الموجودة “كن نفسك” للأطفال، و”إيقاظ الطفل الداخلي” لمدربي الأطفال، و”كن نفسك تكن سعيدا” تنمية ذاتية عامة، والذي بدأت به كأول برنامج رسمي أقدمه في مؤسسة البناء الإنساني والتنمية، وكنت المدربة الوحيدة في ذلك الوقت. ومع استمرار تطوير برنامج الأطفال بدأت كتابة قصص جديدة، طلبت مني دار نهضة مصر نشرها، وتم الاتفاق على ذلك عام ٢٠١٣.
مع نجاح برنامج كن نفسك للكبار ووجود طلب من المتدربين لجزء ثاني، قمت بمزيد من الدراسات التي هيأت تصميم الجزء الثاني، حيث كنت أكتشف باستمرار زوايا جديدة في الرؤية تستحق أن تضاف، واستمر هذا الاتجاه في وجود برنامج إضافي سُمي “كن نفسك جدد وعيك” وجاء بناء على طلب المتدربين الذي يريدون الاستمرار في التدريب بعد أخذ الجزء الثاني، وبعد أخذ برنامج “إيقاظ الطفل الداخلي” الذي تطور هو أيضا ليكون برنامج تنمية ذاتية عامة، وليس برنامج تدريب مدرب فحسب وإنما جزء من المتطلبات الأساسية لمن يتقدم ليكون مدربا في برامج “كن نفسك”.
في تلك الفترة كان يزداد يقيني بأهمية هذا البرنامج الذي يمكن توجيهه لأي إنسان في أي ثقافة أو ديانة طالما أنه يتطلع فعلا لاكتشاف الذات، والحياة، وكان المتدربون يجدون من التدريبات والمعرفة ما يجعلهم يدركون أن انغماسهم في الحياة الخارجية وحدها يُفقدهم التواصل مع أنفسهم العليا، فيفقدون السعادة والسلام، فقد كانت كل الموضوعات التي يضمها البرنامج تخاطب قضاياهم الحياتية وتأخذ بأيديهم برفق لمزيد من التحرر من كثير من المعاناة التي تنتج عن غياب التعامل السوي مع النفس، ومع الغير.
وبقدر ما كنت أنا مصممة البرنامج والمدربة فيه بقدر ما كنت المنتفعة الأولى منه، فقد كانت كل الدراسات التي أقوم بها تخاطبني بلغات مختلفة، ومن رؤى متعددة، تساعدني على مزيد من الغوص في أعماقي، ومعرفة أكبر بالنفس وبالغير. لقد زاد يقيني حينئذ بأننا، كل البشر، سنظل نتعرف على الجديد في أنفسنا طوال رحلة الحياة الأرضية، وسيظل هناك ما لا يعلمه عنا إلا خالقنا سبحانه وتعالى.
-
كن نفسك تحت مظلة مؤسسة البناء الإنساني والتنمية
قد لا أتمكن من حصر الإنجازات التي تمت وتتم لبرنامج “كن نفسك” تحت مظلة البناء الإنساني والتنمية ولكن يمكنني أن أذكر تطورات محورية:
- بمجرد الإعلان عن نشأة مشروع كن نفسك قام أحد أبناء أسرتنا الروحية وهو المهندس أدهم شاهر بالتطوع لإدارة البرنامج، بالتعاون مع رئيس المؤسسة د. علياء رافع. وكان ذلك بدافع خالص للخدمة المجتمعية، فوضع المتطلبات الأساسية لتخريج مدربين لبرنامج كن نفسك، ونظام ترقي هيكلي للمدربين. وتحت إدارته التي استمرت لنحو ثماني سنوات، وبمساعدة المدير التنفيذي أحمد عبد الرحمن، تم تنفيذ برنامج كن نفسك لكثير من المستفيدين كما سيلي ذكره لاحقا.
- بعد نحو عام من قيام مصممة البرنامج وحدها بالتدريب، تخرج عدد من المدربات اللاتي أخذن شهادة التخرج المعتمدة من مؤسسة البناء الإنساني والتنمية. وأخذ العدد يتزايد إلى أن بلغ عدد المدربين الآن لنحو الأربعين.
- درست مع السيدة علياء حياة د. كارل جوستاف يونج وأسس علم النفس التحليلي. وكان لهذه الدراسة أثر كبير عليّ في الاهتمام بأحلامي وتلقي منها رسائل معينة ترشدني في الحياة.
- بدأت في عمل صالون ثقافي تحت اسم “الحياة حول مركز النور” وهو يتناغم في جوهره مع أهداف برنامج كن نفسك، ولكنه يتناول مادته من داخل الثقافة الروحية الإسلامية. فالهدف منه هو أن يتدرب الحضور على التواصل مع ما داخلهم من عمق مقدس تكمن فيه كل المعاني الروحية، تواصلا يؤهلهم لاستقبال معاني الكلمات المقدسة في القرآن الكريم، أو أي مصدر صادق، بقلوبهم، ولا يتوقفوا عند المعاني السطحية. فبتلك الطاقة الروحية يكون رقي الإنسان في فكره وسلوكه مع نفسه والناس.
- بدأت في هذه الفترة الاهتمام بتصميم برامج متخصصة لرعاة الأطفال: الأبوين- المعلمين- الرعاة في دور الرعاية. وهنا قمت بدراسات في التربية تعتمد على احترام وتقدير الطفل ومساعدته على اكتشاف نفسه، ودعمه على تحمل المسئولية، وليس بالثواب أو العقاب . ولقد كان الهدف الذي أصبو إليه هو الاهتمام بالطفل كبذرة لحضارة مصرية أصيلة تقوم على احترام الإنسان ككائن روحي، أي أن القيم الأخلاقية تكمن في طبيعته، وتمكّنه من بناء حضارة عظيمة.
- تشكيل قيادة جماعية من المدربات الخبيرات، يقمن بالإشراف على مجموع المدربين، وعلى تطوير المادة التدريبية بالاستمرار وفقا لطبيعة وروح البرنامج كما وضعته المصممة. كما أن هؤلاء المدربات يضفن الكثير من خبراتهم المتنوعة لإثراء البرنامج، باستعمال تدريبات وورش عمل، وأدوات جديدة تساعد المتدربين بشكل أيسر لتحقيق النمو الإنساني والروحي، بما يجعل حياتهم أكثر ثراء ومحبة وسعادة.